وعد الله سبحانه وتعالي رسوله وخاتم أنبيائه محمدا صلي الله عليه وسلم
وأنعم عليه بنعمة عظيمة ومنة كريمة جعلها كرامة وبشارة له ولأمته وهو نهر الكوثر
وذلك في قوله تعالي "إنا اعطيناك الكوثر" فبهذه الآية
الكريمة افتتح الله تعالي سورة الكوثر التي نزلت خالصة لرسوله ليسري عنه ويعده
بالخير ويعد أعداءه بالبتر، فقد ورد أن النبي صلي الله عليه وسلم وهو عائد من
جنازة ولده القاسم مر علي العاص بن وائل وأبنه عمرو فقال حين رأي رسول الله أني
لأشنؤه فقال العاص بن وائل: لاجرم لقد أصبح أبتر. والأبتر يفهم منها في لغة العرب
أنه الذي لاعقب له وفيما يفهمه هذا الرجل من أن الامتداد في وجود الانسان يتمثل
بوجود ذرية له فجاء الرد من الله عز وجل وأنعم عليه بالكوثر.
فالكوثر جاءت مطلقة صالحة لشمول كل ماهو قابل للتكثير من
أمور الخير ولم تقتصر علي النسل فقط فعندما سئل ابن عباس عن الكوثر أجاب بأن هذا
النهر من بين الخير الكثير الذي أوتيه رسول الله صلي الله عليه وسلم فهو كوثر من
الكوثر وفي لغة العرب أن الخير الكثير وكل شئ كثير في العدد والقدر هو "كوثر".
وقد ورد في أحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم الكثير من
صفات نهر الكوثر التي تجعل المؤمن في شوق إلي ورود ذلك النهرو الارتواء منه فنهر
الكوثر يجري من غير شق بقدرة الله وحافتاه قباب الدر المجوف وترابه المسك وحصباؤه
اللؤلؤ وله ميزا بان احداهما من ذهب والآخر من فضة ويصبان في حوض وهو "حوض
النبي" والموجود في أرض المحشر وماء نهر الكوثر ينبع من الجنة ويصب في ذلك
الحوض. وقد جاء عن سمرة ابن جندب أن النبي صلي الله عليه وسلم قال "ان لكل
نبي حوضا ترده أمته وانهم ليتباهون أيهم أكثر وارده واني لارجو أن أكون أكثر وارده".
ويحظي بشرف السبق في ورود حوض النبي من أمته فقراء
المهاجرين فعن ثوبان مولي الرسول صلي الله عليه وسلم انه قال "أول الناس
ورودا علي الحوض فقراء المهاجرين الشعث رؤساء ـ الدنس ثيابا الذين لاينكحون
المنعمات ولا تفتح لهم أبواب السدد" والسدد هو القصور الخاصة بالمترفين وعن
صفات " حوض النبي" جاء في حديثه صلي الله عليه وسلم انه قال "حوضي
مسيرة شهر وزواياه سواء" أي أن اطرافه متساوية وآنيته أكثر من عدد نجوم
السماء وكواكبها.
أما عن ماء نهر الكوثر فقد وصفه الرسول صلي الله عليه
وسلم بأنه أشد بياضا من اللبن وأحلي مذاقا من العسل وأطيب ريحا من المسك ومن شرب
منه لم يظمأ بعدها أبدا ولم يسود وجهه.
وماء الحوض المستمد من نهر الكوثر هو كرامه من الله عز
وجل لنبيه والمؤمنين من أمته حتي يتمتعون بشئ من نعيم الجنة قبل دخولها وهم في أرض
المحشر في مقام عصيب وحر شديد وكرب عظيم فتأتي رحمة الله وكرمه لتشمل المؤمنين من
أمة محمد في ذلك الوقت. إن سورة الكوثر تمثل حقيقة الهدي والخير والايمان وتمثل
حقيقة الضلال والشر فالأولي كثرة وفيض وامتداد والثانية قلة وانحسار وانبتار
للمشركين.. فاللهم اجعلنا من المتبعين لرسول الله صلي الله عليه وسلم الواردين
حوضه، الفائزين يوم يخسر الخاسرون، المقربون يوم يبعد المبدلون والمحدثون